فن الطناش العظيم: كيف تبيع الدنيا وتشتري راحة بالك؟

 

رجل مسترخٍ وسط فوضى الأوراق والكتب يرمز إلى فن الطناش والاستهتار بالحياة العمليةA relaxed man surrounded by papers and books symbolizing procrastination and the art of not caring
فن الطناش العظيم: حين يصبح التجاهل أسلوب حياة

​فن الطناش العظيم: كيف تبيع الدنيا وتشتري راحة بالك في 5 خطوات؟

​في عالم يركض خلف الإنتاجية، وساعات العمل التي لا تنتهي، وتطبيقات تنظيم الوقت التي تذكرك بشرب الماء كل 5 دقائق وكأنك نبتة في مشتل، يبرز بطلنا الحقيقي: المستهتر. الشخص الذي يمتلك قدرة خارقة على رؤية منزله يحترق فيقرر أن "يؤجل" إطفاء الحريق لأن المسلسل لم ينتهِ بعد، ولأن الحريق "قد يطفئ نفسه إذا نفد منه الأكسجين".

​الاستهتار ليس مجرد صفة عابرة، إنه "لايف ستايل" (أسلوب حياة). هو الحالة النفسية التي تجعلك تنظر إلى فاتورة الكهرباء المتأخرة وكأنها قصيدة شعرية بلغة لا تفهمها، فتضعها في درج الكوميدينو وتنام قرير العين. في هذا المقال، سنغوص في أعماق هذا العالم الجميل والمستفز في آن واحد.

​الفصل الأول: فلسفة "بكرة الصبح" وقوانين الاستهتار الكوني

​هل سمعت يوماً عن "التسويف"؟ المستهتر يرى أن التسويف هو رياضة للمبتدئين. المستهتر المحترف لا يقول "سأفعل ذلك غداً"، بل يقول "ربما يحل الموضوع نفسه بنفسه إذا تجاهلته بما يكفي".

قوانين الاستهتار الكوني:

  1. قانون الجاذبية السريرية: إذا استلقيت على السرير، فإن كل المهام في الخارج تصبح مجرد إشاعات كاذبة أطلقها أعداء النجاح.
  2. قانون الوقت المطاط: الـ "خمس دقائق" عند المستهتر تعادل تقريبًا ثلاث سنوات ضوئية في تقويم البشر الطبيعيين.
  3. نظرية الكارثة الهادئة: إذا لم تنفجر المشكلة في وجهك الآن وتسبب نزيفاً، فهي ليست مشكلة، بل هي مجرد "سوء تفاهم مع القدر".

​الفصل الثاني: المستهتر في العمل (الموظف الشبح)

​تخيل موظفاً يدخل المكتب في العاشرة صباحاً (بينما مواعيد العمل الرسمية تبدأ في الثامنة)، ينظر إلى أكوام الملفات بابتسامة "موناليزا" غامضة، ثم يقضي أول ساعتين في مقارنة أنواع البن واختيار قائمة أغاني "لزيادة التركيز" وهو لم يبدأ التركيز أصلاً.

تكتيكات الهروب الكبير:

  • فتح 20 علامة تبويب في المتصفح: الغرض ليس العمل، بل لتبدو مشغولاً جداً أمام المدير، بينما أنت في الحقيقة تبحث في "ويكيبيديا" عن تاريخ صناعة الملاعق في العصور الوسطى.
  • هز الرأس في الاجتماعات: المستهتر لا يفهم كلمة واحدة مما يقوله المدير عن "الأهداف الاستراتيجية"، لكنه يهز رأسه بعمق يوحي بأنه يخطط لغزو الفضاء، بينما هو يفكر في سر "الصلصة" التي يضعها مطعم الكشري القريب من منزله.

قصة من الواقع التقني:

تخيل مستهتراً لديه عرض تقديمي (Presentation) مصيري أمام مجلس الإدارة. تظهر له رسالة "تحديث الويندوز" قبل أسبوع، فيضغط ببرود على "ذكرني لاحقاً". تظهر الرسالة يومياً، وهو يمارس هوايته المفضلة في التجاهل. وفي اللحظة التي يقف فيها أمام المدير ليعرض النتائج، يقرر الحاسوب أن "الآن هو وقت التحديث الإجباري". وبينما الجميع ينتظر في صمت قاتل، يجلس صاحبنا ينظر إلى الشاشة التي تقول (Please do not turn off your computer) ويقول للمدير بابتسامة صفراء: "الجهاز يقوم الآن بعملية تأمل تقني وتفريغ للطاقة السلبية ليقدم لنا أفضل أداء ممكن".

​الفصل الثالث: الاستهتار العاطفي (يا جبل ما يهزك ريح)

​في العلاقات الإنسانية، المستهتر هو الشخص الذي تنسى خطيبته موعد ميلاده، فينسى هو أصلاً أنه خطبها. هو الشخص الذي يمتلك قلباً يشبه "الثلاجة" في الشتاء؛ بارد ومنعش ولكنه لا يصلح للسكن.

  • الرد على الرسائل: يرى الرسالة، يقرأها، يبتسم لجمال التعبير، ثم يقرر الرد "في قلبه" دون أن يلمس لوحة المفاتيح. وبعد أسبوعين يتساءل بصدق: "لماذا تم حظري؟ هل فقد الناس صبرهم بهذه السرعة؟".
  • حل المشكلات: جملته الشهيرة هي "اهدي يا حبيبتي، الموضوع بسيط، لا يستحق كل هذا الدراما". هذه الجملة كفيلة بإنهاء العلاقة فوراً وتفجير غضب الطرف الآخر، لكن المستهتر لا يهتم؛ سيعتبر الانفصال فرصة ذهبية للنوم مبكراً دون إزعاج "الإشعارات".

​الفصل الرابع: الاستهتار في الشوارع (ملك الغابة والأسفلت)

​لا يكتمل الحديث عن الاستهتار دون ذكر "وحوش الطريق". السائق المستهتر يرى أن إشارات المرور هي مجرد "أضواء زينة" وضعتها الدولة لإضفاء بهجة على الشوارع الكئيبة.

مواقف من غابة الأسفلت:

  • إشارة الانعطاف (الإشارة الجانبية): بالنسبة له، استخدام الإشارة هو ضعف شخصية وإفشاء لأسرار الدولة العليا. "لماذا أخبر السائق خلفي إلى أين سأذهب؟ هل هو من بقية أهلي؟".
  • ركن السيارة: المستهتر يمكنه ركن سيارته "بالعرض" في شارع حيوي ليشتري علبة كبريت، تاركاً وراءه طابوراً من السيارات يصل إلى المدينة المجاورة، وعندما يعود ويجدهم يصرخون، ينظر إليهم ببراءة ويقول: "يا جماعة، كلها ثانية، لماذا ضيق الأفق هذا؟".

​الفصل الخامس: كوارث السباكة والاستهتار المنزلي

​المستهتر يرى أن الأعطال المنزلية هي مجرد "تغييرات في الديكور" فرضتها الطبيعة.

تبدأ القصة بنقطة ماء بسيطة من صنبور المطبخ. الإنسان الطبيعي يرتعد خوفاً من فاتورة المياه ويتصل بالسباك فوراً. أما المستهتر، فيرى أن صوت التنقيط هو "موسيقى طبيعية (Zen Music) تساعد على التأمل والاسترخاء".

​بعد أسبوع، يتحول المطبخ إلى محمية مائية. ماذا يفعل بطلنا؟ يضع "فوطة" قديمة لامتصاص الماء، ويقرر أن يستخدم الحمام الآخر. بعد شهر، عندما ينهار سقف الجار في الدور الأسفل ويأتي صارخاً، يخرج المستهتر برأس مبلل ومنشفة على كتفه ويقول للجار الغاضب: "مبروك، أصبح لديك نافورة داخلية مجانية في الصالة، لماذا أنت عدو للجمال؟".

​الفصل السادس: الاستهتار بالصحة (دايت الإثنين القادم)

​المستهتر يؤمن أن جسده هو "مفاعل نووي" قادر على هضم الحجارة والحديد الصدأ.

  • التشخيص الذاتي: إذا شعر بألم حاد في الصدر، يقول لنفسه: "مؤكد أنها حموضة من ساندوتش الكبدة الذي أكلته من عربة الشارع بالأمس". هو لا يذهب للطبيب إلا إذا أخذوه "محمولاً على الأكتاف".
  • رحلة اللياقة البدنية: هو المنجم الذهب لأصحاب الصالات الرياضية (الجيم). يدفع اشتراكاً سنوياً كاملاً، يشتري طقماً رياضياً أغلى من ميزانية بعض الدول الناشئة، يذهب أول يوم ليتصور "سيلفي" مع الأجهزة وهو يتصبب عرقاً (من المجهود الذي بذله في لبس الحذاء)، ثم يختفي للأبد. بعد ستة أشهر، يتصل به الجيم ليخبروه أن اشتراكه انتهى، فيرد عليهم وهو يأكل ساندوتش برجر غارق في المايونيز: "الحمد لله، لقد شعرت بالفرق، عضلات يدي أصبحت أقوى من كثرة مسك الموبايل لمتابعة فيديوهات التمارين".

​الفصل السابع: الاستهتار الأكاديمي (أسطورة ليلة الامتحان)

​هنا نصل لقمة الإبداع البشري. الطالب المستهتر هو كائن يمتلك قدرة فيزيائية على ضغط منهج دراسي مدته 4 سنوات في 4 ساعات فقط قبل اللجنة، مع فاصل زمني لتناول الشاي.

قصة المنهج الضائع:

يدخل الطالب المستهتر اللجنة بقلب حديدي، يفتح ورقة الأسئلة ليجدها تتحدث عن مادة "الكيمياء العضوية" بينما هو قضى الليل يذاكر "تاريخ العصور الوسطى" لأن أحدهم أرسل له جدولاً خاطئاً. بدلاً من الانهيار، يجلس بهدوء، يكتب اسمه بخط جميل مزخرف، ثم يكتب في خانة الإجابة: "الأسئلة ممتازة وعميقة، ولكنها لا تليق بمستواي الفكري الحالي، سأتركها لزملائي الأقل ذكاءً"، ويسلم الورقة ويخرج ليجلس على القهوة منتظراً أصدقاءه ليسألهم ببرود: "بشروا، كيف كان امتحان التاريخ؟".

​الخاتمة: هل الاستهتار مرض أم نعمة؟

​في نهاية المطاف، قد يبدو الاستهتار كمرض اجتماعي، لكنه في الحقيقة "درع واقي" ضد ضغوط الحياة الحديثة التي تطالبنا بأن نكون مثاليين في كل شيء. المستهتر هو الشخص الوحيد الذي لا يصاب بضغط الدم لأن "ضغطه أصلاً في إجازة".

​طالما أن استهتارك لا يتسبب في كوارث وطنية أو انهيارات أرضية، فربما قليلاً من "الطناش" هو ما نحتاجه جميعاً للبقاء على قيد الحياة في هذا العالم المجنون. لكن تذكر عزيزي القارئ، إذا كنت تقرأ هذا المقال الطويل الآن بينما لديك موعد عمل هام أو قدر يغلي على النار.. فأنت لست مجرد مستهتر، أنت "العميد" القادم لنادي المستهترين الدولي!

هل أعجبك المقال؟ يمكنك الآن مشاركته مع أكثر صديق "مستهتر" تعرفه (رغم أننا نعلم أنه لن يقرأه، بل سيعمل له Like فقط دون أن يفتحه).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب كليلة ودمنة( الجزء الثامن )

تلخيص كتاب كليلة ودمنة (الجزء الأول)

تلخيص كتاب كليلة ودمنة ( الجزء الحادى عشر )

فيس بوكتويتر لينكد ان بنترست واتس اب

انضم إلى مدار الوعي

هل أنت مستعد لتلقي تحديثات الوعي القادمة؟ أرسل بريدك الإلكتروني لتفعيل الاتصال.