الفن العاشر ( حكايات راوى ): رواية عندما يتحول الربوت لقطعة من الخبز الجاف - الحلقة الثانية
فيس بوكتويتر لينكد ان بنترست واتس ابجوجل نيوز

رواية عندما يتحول الربوت لقطعة من الخبز الجاف - الحلقة الثانية

عندما يتحول الروبوت لقطعة من الخبز الجاف


عندما يتحول الربوت لقطعة من الخبز الحاف - الحلقة الثانية

نبذة عن الرواية

لقد ذكرنا في الحلقة الأولى بطل القصة يسمع جلبة

الحلقة الثانية

لم أنزل من شقتي طوال هذا اليوم، وفي المساء أجلس على سريري، حتى الفجر، والجلبة تقتل الصمت من حولي، بعد أن عدت لغرفة نومي محاولًا الوصول لحقيقة ما يحدث بالمخزن، ولكن بلا جدوى.

لم أهتم بالجلبة لان الليلة كانت مطيرة، كالليلة الاولى التي سمعت فيها تلك الجلبة، مما يصعب على اللصوص سرقة المخزن. 

أقوم فأصلي، وبعدها يغلبني النوم، رغم الجلبة التي تقتل الصمت بالغرفة.

بعد ساعة من النوم، أستيقظ وأنزل للمخزن، قبل مجيء العمال لتشغيل الفرن، فاجد فأرًا، لا ليس فأرًا كالفئران التي أعرفها، لقد وجدت كائنًا عملاقًا يشبه الفأر، فهمست لنفسي: ان مثل هذا الفأر يحتاج أن يلتهم كل دقيق المخزن في وجبة واحدة، كي يتمكن أن يحافظ على حياته. 

أفيق من تأملاتي تلك وهو يهجم علي بوحشية، ليقوم بالإمساك بي بفمه من وسطي، ثم يقذفني يمينًا ويسارًا بعنف وهو مازال ممسك بي بفمه، حتى خيل لي أنه يتسلى بي كلعبة قبل أن يلتهمني.

بعد فترة، يقذف بي لأعلي لأسقط في فمه المفتوح على مصراعيه كبوابة، وأنا في حالة من الدوار شديد بسبب ما فعله بي.

أرفع رأسي من فوق الوسادة قبل أن أغيب بداخل هذا الكائن الخرافي، وأتفل ثلاثًا على يساري، وأقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثًا أيضًا، أمد يدي المرتعشة من هول ما رأيت في هذا الكابوس،  وأصب كمية من الماء، من قارورة زجاجية موضوعة على منضدة في كوب موضوع بجوارها، وأشرب الماء ثم أحمد الله. 

أجلس في غرفة نومي أتأمل مكوناتها في محاولة مستميتة للتخلص من هذا الكابوس، الذي مازالت أحداثه المرعبة تطارد مخيلتي، وهي عبارة عن سرير صغير بجوار الحائط، وبالحائط المقابل خزانة ملابس صغيرة، وبالحائط الذي يربط بينهما شباك، وهو مقابل لباب الغرفة، ويوجد تحت الشباك تلك المنضدة الصغيرة، الموجود عليها قارورة الماء والكوب، وبالحائط المجاور للسرير أُعلق صورة لوالدي ووالدتي وأخوتي معي في صورة جماعية.

أنظر في ساعة الهاتف، فأجدها اقتربت من السابعة، فأرتدي ملابسي وأنزل، فأجد العمال قد بدأوا تجهيز الفرن لبدء العمل.

أجلس أمام الفرن، لا أشعر بما يحدث حولي، فلقد كنت مستغرقا في التفكير فيما رأيته بالأمس.

يلاحظ العمال شرودي، ويحاولون معرفة سببه، فأنكر هذا الشرود وأقول: أنا بخير فلا تهتموا بي، فيعودون لعملهم. 

بعد فترة أتركهم لأجلس بمفردي بعيدًا عن أي شيء يشتت تفكيري، لأركز في طريقة تساعدني في التخلص من هذا الكائن الغامض المحتل لمخزني.

أتركهم وأصعد لشقتي بحجة أني لم أنم بالأمس بشكل جيد، وهذا هو سبب شرودي.

في غرفتي وبعد فترة من التفكير، أقرر أن اضع قطعة من الخبز مرة أخرى بالمصيدة، فربما تتمكن هذه المرة من اصطياد الفأر.

فلقد اقنعت نفسي بأن ما يوجد بالمخزن فأر، رغم أن في هذا الوقت تكون الفئران في حالة سبات شتوي.

بعد هذا القرار، أعود للفرن، وأكمل اليوم بشكل عادي.

في المساء، أفعل ما قررته.

بعد فترة أسمع الجلبة فأنزل مسرعًا، وأفتح المخزن؛ فارتعدت أوصالي من الخوف، فتراجعت ولم أدخل، فلقد ملأني يقين بأنني سأواجه جنيًا الآن، أفتح كشاف الموبايل وأتشجع وادخل بحرص شديد، وبيد مرتعشة أفتح نور المخزن، فأجد ما حدث بالأمس هو ما حدث اليوم أيضًا.

تنتابني الحيرة، وتغرقني في بحر من العبث.

يستفزني هذا الغموض، فأقرر أن افك طلاسمه، مهما كلفني الأمر.

 هل يعقل أن يهزمني هذا الكائن الغامض، الذي يأكل الخبز، ويخرج من المصيدة وهي مغلقة، وأواصل محفزًا لنفسي: لقد كرم الله الانسان وجعله سيدًا لهذا الكون، وأعطاه أسراره ليسيطر عليه، فلا يمكن أن أترك هذا الكائن يتلاعب بي هكذا، ويدخلني في متاهته.

ولكن ما الذي يجب أن أفعله لأنتصر على كائن غامض، لم أتمكن من رؤيته حتى تلك اللحظة؟

بعد نقاش طويل بيني وبين نفسي، قررت أن أضع كاميرا بالمخزن، لمعرفة ما يحدث به.

فلقد تيقنت الآن أن الميكرفون الذي وضعته بالمخزن لينبهني ان حدثت حركة غريبة به، حتى وأن كنت نائمًا فأستيقظ لا يكفي، ولابد من تركيب كاميرا.

في اليوم التالي، اشتري الكاميرا وأركبها في المخزن، وأجلس مساءً انتظر ظهور الفأر.

أسمع الجلبة.

أنظر للفيديو، الذي ترسله الكاميرا للاب توب، فلا أرى شيئًا، المصيدة كما هي، لم يقترب منها أي فأر، وقطعة الخبز اليابس مازالت بداخلها.

اذن من أين تأتي تلك الجلبة؟.

انزل لأتبين الأمر نفس الخوف والرعدة التي سارت في كل أوصالي، وعلى ضوء كشاف الهاتف، أدخل المخزن، وبيد مرتعشة أفتح النور.

ما هذا؟.

غير معقول ما أراه الأن؟.

كيف حدث هذا؟.

أكاد أُجن، مما أرى.

المصيدة مغلقة، كما حدث من قبل، وقطعة الخبز غير موجودة، على عكس ما رأيت في الفيديو المُرسل للاب توب من لحظات، فهل دخل هذا الكائن الغريب في هذه الفترة القصيرة من نزولي من غرفتي الى المخزن،  وأخذ قطعة الخبز وأَغلق المصيدة واختفى؟.........

أقف بالمخزن في سكون الليل، في ليلة شتوية، في مدينة بها الكثير من الشقق لم يُسكن معظمها بعد، لا أستطيع فهم ما يحدث. 

فجأة.......

تنتابني نوبة من الهلع، تلصقني بالأرض كالتمثال من هول ما رأيت. 

ولكن فجأة، وبحركة لا إرادية، كمن يبعد يده اذا ما اقتربت من النار بسرعة بدون تفكير، أجدني أجري خارجًا من المخزن، وبسرعة أغلقه، وأصعد لشقتي، وجسدي كله ينتفض من الخوف.

ألقي بجسدي على السرير، وأجذب الغطاء عليه من قدمي حتى رأسي، ليس من برودة الشتاء، ولكن من الهلع الطفولي الذي أوهمني بأن الغطاء سيحميني من هذا الشبح الذي هجم علي بالمخزن، وظل يطاردني  حتى غرفة نومي.

كنت أشعر به، ولكني لا أستطيع رؤيته، كان يحاصرني بعيونٍ لا أراها، وأصوات لا أسمعها.

كيف هذا؟

لا أعرف، هذا ما كنت أشعر به في تلك اللحظة.

الشيء الأكيد أني رأيته بالمخزن، ثم اختفى بعد مطاردته لي حتى غرفة نومي، ولكن رغم اختفائه، كنت أشعر به، وبعيونه التي تراقبني.

الغريب في الأمر، هو أن النعاس قد غلبني، فنمت  نومًا عميقًا ولم أستيقظ الا الساعة العاشرة، على غير عادتي - فأنا استيقظ عادة الساعة السابعة صباحًا - على الرغم من الرعب الذي عشته بالمخزن بعد رؤيتي لهذا الشبح، ثم اختفائه في غرفة نومي، واحساسي بوجوده رغم اختفائه، فهل نومي هذا، كان هروبًا من هذا الشبح؟.

أي شبح، لقد كان مجرد وهم، خيَّله لي الموقف الذي واجهته في سكون الليل.

نعم لم يكن هناك أي شبح، أنا لم أرى شيئًا بالأمس.

هكذا أقنعت نفسي، وقلت لها: لا أحد يرى الاشباح إلا في الأفلام، والحكايات الخرافية.

ولكن،،،،، 

يبقى السؤال، كيف أكل الفأر الخبز، وخرج من المصيدة وهي مغلقة، دون أن تُصوره الكاميرا؟، طالما أني لم أرى شبحًا بالأمس؛ اذن هناك سر بالتأكيد، ولكن ما هو؟، هذا ما يجب أن أعرفه، مهما كلفني الأمر. 

ولكن كيف أعرف سر هذا اللغز المحير؟.

تبرق برأسي فكرة كبرق أضاء ظلام عقلي، فأمسك بها قبل أن تذهب مع نور البرق.

كان لا بد أن أفعل هذا، فالبرق يذهب نوره سريعًا.

لقد برقت تلك الفكرة عندما وجدت ساعة، تلك التي يطلق عليها منبه، أحتفظ بها كذكرى منذ أيام الطفولة، بخزانة ملابسي - وأنا أخرج تي شيرت لأرتديه - ملقى في أحد الادراج بين الملابس، فآخذه، وأنزل مساءً وأضعه بجوار المصيدة، لأرى هل سيعمل أثناء اختفاء قطعة الخبز، أم لا؟، فربما هناك من قام بخداع الكاميرا، وجعلها تُرسل صورة ثابتة للمخزن، أثناء دخول الفأر للمصيدة.

استنتاج غبي، أعرف انه كذلك، فهل لدى الفأر عقلًا يُمكّْنه من خداع الكاميرا.

سؤال له وجاهته، ولكن هل يوجد فأر يأكل الخبز من المصيدة؟، ويهرب منها، قبل أن تغلق عليه، ولا تتمكن الكاميرا من تصوير هذا المشهد العبثي اللامنطقي، في وقت الفئران تكون فيه في حالة سبات شتوي!.

اذن من يفعل هذا الفعل لا يمكن أن يكون فأرًا.

فمن يكون الفاعل؟.

الأشباح.

هل الأشباح تأكل الخبز؟!.

ربما

أنا لم أتعامل مع أشباح من قبل.


تابع الحلقة الثالثة


ليست هناك تعليقات: