حكايات الحمال مع البنات(٣٣)
وبعد أن سأل الملك الصبية الثانية : وأنت ما سبب الضرب الذى على جسدك
فقالت : يا أيها الملك إنى كان لى والد مات وخلف مالا كثيرا فبقيت بعده مدة يسيرة ثم تزوجت برجل اسعد أهل زمانه وعشت معه سنة كاملة ومات فورثت منه ثمانين ألف دينار فبينما أنا جالسة فى يوم من الأيام إذ دخل على عجوز بوجه مسقوط وحاجب ممغوط وعيونها مفجرة وأسنانها مكسرة ومخاطها سائل وعنقها مائل كما قال فيها الشاعر :
عجوز النحس إبليس يراها
تعلمه الخديعة من سكوت
تقود من السياسة ألف بغل
إذا انفردوا بخيط العنكبوت
فلما دخلت العجوز علمت علىَّ وقالت : أنا عندى بنتاً يتيمة والليلة يوم عرسها وأنا أُريد لك الأجر والثواب فاحضرى عرسها فأنها مكسورة الخاطر ليس لها إلا الله تعالى ثم بكت وقبلت رجلى فأخذتنى الرحمة والرأفة
فقلت : سمعا وطاعة فقالت : جهزى نفسك فإنى وقت العشاء سأحضر وآخذك ثم قبلت يدى وذهبت فقمت وهيأت نفسى وجهزت حالى وإذا بالعجوز قد أقبلت وقالت : يا سيدتي أن سيدات البلد قد حضرن وأخبرتهن بحضورك ففرحن وهن في انتظارك فقمت وتهيأت وأخذت جوارى معى وسرت حتى أتينا إلى زقاق هب فيه النسيم وراق فرأينا بوابة مقنطرة قبة من الرخام مشيدة البنيان وفى داخلها قصر قد قام من التراب وتعلق بالسحاب فلما وصلنا إلى الباب طرقته العجوز ففتح لنا ودخلنا فوجدنا دهليزا مفروشا بالبسط معلقا فيه قناديل موقدة وشموع مضيئة وفيه الجواهر والمعادن معلقة فمشينا فى الدهليز إلى أن دخلنا القاعة فلم يوجد لها نظير مفروشة بالفراش الحرير معلقا فيها القناديل الموقدة والشموع المضيئة وفى صدر القاعة سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر وعليه ناموسية من الأطلس وإذا بصبية خرجت من الناموسية مثل القمر فقالت لى : مرحبا وأهلا وسهلا يا أختى آنستينى وجبرت خاطرى وأنشدت تقول :
لو تعلم الدار من زارها فرحـت
واستبشرت ثم باست موضع القدم
وأعلنت بلسـان الـحـال قـائلة
أهلا وسهلا بأهل الجود والكرم
ثم جلست وقالت : يا أختة أن لى أخا وقد رآك فى الأفراح وهو شاب احسن منى وقد أحبك قلبه حبا شديدا وأعطى هذه العجوز دراهم حتى أتتك وعملت الحيلة لأجل اجتماعه بك ويريد أخى أن يتزوجك بسنة الله ورسوله وما فى الحلال من عيب فلما سمعت كلامها ورأيت نفسى قد انحجزت فى الدار فقلت : للصبية سمعا وطاعة ففرحت وصفقت بيدها وفتحت بابا فخرج منه شاب مثل القمر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق